كثيرا ما نسمع الكلام عن
التربية الإيمانية وكثيرا ما نسمع الأصوات تعلو ألا من منهج تربوي نتربى
عليه وكأن الأبصار قد عميت والقلوب قد أظلمت عن رؤية الكتاب والمنهج الذي
تربى عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم ألا وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه حيث لا حياة للقلوب بل لا حياة للإنسان إلا مع
القرآن فالمسلم لابد أن يعتمد القرآن كمنهاج لحياته فانه لا قوام لحياته
إلا من خلال تطبيقات القرآن فلا يتحرك ولا يسكن إلا من خلال القرآن ولا
يتكلم ولا يفعل إلا من خلال القرآن فالقرآن كتاب الله المنزل وكتابه
الموجهة إلى الإنسان وهو دستور المسلم وقائده في سيره إلى ربه تعالى وفى
رحلته إلى الدار الآخرة حيث لا غنى للمسلم عن مصاحبة القرآن وتلاوته
والمداومة على قراءته والنظر إليه.
ولذا نقول لماذا نقرأ القرآن؟
وما هو الهدف من قراءته ؟ وهل تلاوته هي الغاية المطلوبة من قراءته؟
الاجابه عن ذلك نجدها في كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه (فَبَشِّرْ
عِبَاد ِالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا
الأَلْبَابِ)الزمر، ويقول سبحانه (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ
فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)الأنعام، لنعلم أن
المطلوب والمقصود من التلاوة والاستماع تدبر الآيات والتأثر بها لتنتج
الآيات سلوكا ملتزما بما انزل الله تعالى في كتابه وليكن منهج حياة.
ولنسمع
إلى هذا المثل الذي ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لنعى تماما ونعتمد
القرآن إلى الدار الاخره ونتيقن أنها المرشد والدليل في سير الإنسان إلى
ربه والى حصوله على مقصده الأسمى ، يقول النواس بن سمعان رضي الله عنه عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي
الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب سطور مرخاة وعلى باب الصراط
داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا، وداع يدعوا من جوف الصراط
فإذا أراد يفتح شئ من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فانك إن تفتحه تلجه و
الصراط الإسلام والسوران حدود الله تعالى و الأبواب المفتحة محارم الله
تعالى وذلك الداعي على راس الصراط كتاب الله عز وجل والداعي فوق الصراط
واعظ الله في قلب كل مسلم) ـ مسند الإمام أحمد ( 17566) .
بل ونقول
إن خير أمة وطئت بإقدامها على ظهر الأرض ما تربت إلا عن طريق القرآن،
فبالقرآن تعرفوا على ربهم سبحانه معرفه أنشأت في قلوبهم تعظيما أجلا لربهم
سبحانه ظهر ذلك في تعظيمهم لأوامر الله تعالى فتراهم عندما كانوا يقرأون
(اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ
وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ
الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ
بِالنَّهَارِ)(الرعد8-10) ،وعندما كانوا يقرأون (هُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا
يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا
كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(الحديد4)، ويقرأون كذلك
(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)
(البقره 235) ، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي
الصُّدُورُ)(غافر19) فكانت هذه الآيات وأمثالها كفيله برؤية الصحابة برقابه
الله تعالى لخواطرهم وواردات قلوبهم فضلا عن أعمالهم الظاهرة ـ فصارت في
قلوبهم إشراقه واناره تجاه رقابة الله تعالى لإعمالهم الظاهرة والباطنه
لعلمهم ويقينهم بإطلاع الله على بواطنهم وانه سبحانه لا تخفى عليه خافيه في
الأرض ولا في السماء .
وبالقرآن رأت الصحابة الجنة والنار، فلقد
رأوا الجنة والنار كرأي العين من خلال هذه المشاهد الذي صورها القرآن عن
اليوم الآخر فلقد جلي القرآن هذه المشاهد ( مشاهد يوم القيامة ) حتى تحولت
فى حس الصحابة إلى مشاهد حيه حاضره عاشوا من خلالها فتأثرت مشاعرهم
وانفعلوا بوجدانهم خاصة وقد ربط القرآن بين الطاعات والقربات وبين العقيدة.
فلقد تعرفت الصحابة على الطريق الموصل إلى دار السلام وتعرفت على طبيعة
هذا الطريق وعلى مؤهلات من أراد أن يتجاوز هذا الطريق وعمدتهم في ذلك
القرآن، وعلموا من كتاب ربهم إن سبيل التمكين لا يتم ولا يكون إلا بتحقيق
شرط الله تعالى في إخلاص هذا الدين لله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي
الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ
لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور55) ولنعلم
انه لا سبيل لكي نتأثر بالقرآن إلا مع يقظة القلب من سنه الغفلة ومع تدبر
القرآن كما قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)(ص29) .
اللهم
يسر لنا القرآن تلاوة وحفظا وفهما وعملا واجعل القرآن حجه لنا لا علينا